السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواتى/اخوانى الاعزاء اليكم هذا الموضوع الذى يعانى منه معظم الناس وهو الوسوسة ...
تعريف الوسوسة
هي حديث النفس وما يلقيه الشيطان في الصدر.
قال ابن منظور رحمه الله في مادة "وسس(الوَسْوَسَة والوَسْواس: الصوت الخفي من ريح، والوسواس: صوت الحَلْي، وقد وَسْوَسَ وَسْوَسة ووِسْواساً بالكسر، والوَسْوسة والـِوسْواس: حديث النفس، يقال: وَسْوَست إليه نفسه وَسْوَسَة وِوسْوَاساً، بكسر الواو المصدر، وبالفتح الاسم، مثل الزِّلزال والزَّلزال، والوَسْوَاس بالفتح هو الشيطان، وكل ما حدثك به ووَسْوَس إليك.. ورجل مُوَسوس إذا غلبت عليه الوَسْوَسة).
أسباب الوسوسة
الوسوسة هي من كيد الشيطان، وهي ناتجة من الغلو والتشدد في أمور نهى الشارع عن الغلو والتشدد فيها، ولهذا فإن مردها إجمالاً إلى أمرين لا ثالث لهما:
1. خبل في العقل.
2. أوجهل بالشرع.
كما قال الإمام الغزالي رحمه الله، يضاف إليهما أسباب أخر ترجع إلى هذين السببين، من ذلك:
3. البول في المستحم – المكان الذي يستحم فيه - إن لم يكن هناك مخرج للبول، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدُكم في مستحمه ثم يغتسل فيه - قال أحمد: ثم يتوضأ – فإن عامة الوسواس منه".
4. المبالغة في استقصاء الطهارة.
فالتحوط مطلوب ما لم يصل إلى درجة الوسوسة فيكون ممقوتاً.
قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب "التبصرة في الوسوسة" كما نقل عنه النووي في المجموع في ذمه للموسوسين: (وهذه طريقة الحرورية الخوارج، ابتلوا بالغلو في غير موضعه، وفي التساهل في موضع الاحتياط، قال: ومن فعل ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين).
مداخل الوسوسة
المجالات والمداخل التي يدخل منها الشيطان على الغلاة الموسوسين كثيرة جداً لجريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم، كما أخبر الصادق المصدوق، لتحقق كيده لبني آدم إلا المخلصين منهم؛ فالشيطان له مع جميع الخلق مسالك مختلفة تناسب كلاً منهم، أخطرها وأكثرها ولوجاً ووسوسة له ثلاثة هي:
أولاً: التفكير في ذات الله وصفاته
على الرغم من أن العباد نهوا أن يتفكروا في ذات الله، وفي حقيقة صفاته وكيفيتها، وأمروا أن يفكروا في مخلوقات الله الدالة على قدرته، إلا أننا نجد الشيطان يوسوس لبعضهم ويورد عليهم أسئلة تضيق منها صدورهم ويتحرجون منها، مصداقاً لما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حدث ذلك لبعض أصحابه.
فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؛ قال: وقد وجدتمهوه؟ قالوا: نعم؛ قال: ذلك صريح الإيمان".
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة؟ قال: تلك محض الإيمان".
وفي رواية: "لأن يكون أحدنا حُمَمَة – أي فحماً – أحب إليه من أن يتكلم به".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: "تسألون حتى تقولوا: هذا الله خلقنا فمن خلق الله"، قال أبوهريرة: "فوالله إني لجالس يوماً إذ قال لي رجل من أهل العراق: هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ قال أبوهريرة: فجعلت إصبعي في أذني وصحت: صدق رسول الله، الله الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله؛ فيقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقول: الله؛ فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدُكم شيئاً من ذلك فليقل: آمنتُ بالله ورسوله".
قال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس له تحت عنوان "تلبيس إبليس على العوام": (قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل، وقد افتن فيما فتن به العوام، وحصر ما فتنهم ولبَّس عليهم فيه لا يمكن ذكره لكثرته، وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه، والله الموفق.
فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته، فيشكك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..
إلى أن قال: وإنما وقعت هذه المحنة لغلبة الحس، وهو أنه ما رأى شيئاً إلا مفعولاً).
ثانياً: في العبادات، كالطهارة والصلاة وغيرهما
من المجالات التي استحوذ بها الشيطان على بعض بني آدم الوسوسة في الطهارة والصلاة ونحوهما، فهذا من أوسع المجالات ولوجاً للشيطان في نفوس الضعفاء ممن لم يجد لهم مدخلاً غيره.
قال ابن الجوزي تحت باب: "ذكر تلبيس إبليس على العباد في العبادات": (اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فهو يدخل منه على الجهال بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة، وقد لبَّس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم، لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم، وقد قال الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل).
ثم أخذ يمثل لذلك:
• ومن ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء.
• ومنهم من يقوم يمشي ويتنحنح ويرفع قدماً ويحط أخرى وعنده أنه يستنقي من البول وكلما زاد في هذا نزل البول.
• ومنهم من يلبس عليه في النية، فتراه يقول: أرفع الحدث؛ ثم يقول: أستبيح الصلاة؛ ثم يقول: أرفع الحدث؛ وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ.
• ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به، فيقول: من أين لك انه طاهر؛ وفتوى يكفيه بأن أصل الماء الطهارة، فلا يترك الأصل بالاحتمال.
ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء.. وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة، أوفات أوله وهو فضيلة، أوفاتته الجماعة
التحذير من الإسراف والغلو في الوضوء والغسل
وردت أحاديث كثيرة وآثار عديدة تنهى وتحذر من الإسراف في الماء، منها:
1. ما صحَّ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار".
2. وعن أبَيّ يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه"، وفي رواية: "فاحذروه".
3. سمع عبد الله بن مغفل ابنه يقول: اللهم إني أسألك الفردوس، واسألك.. فقال عبد الله: "سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الدعاء والطهور".
4. وعن الحسن رحمه الله قال: شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء.
5. وكان الحسن يعرِّض بابن سيرين، يقول: يتوضأ أحدُهم بقربة ويغتسل بمزادة صباً صباً، ودلكاً دلكاً، تعذيباً لأنفسهم، وخلافاً لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
6. روي عن أبي حازم التابعي الجليل رحمه الله أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء، فقال: ما بلغ نصحك إلى هذا.
7. وعن عثمان بن أبي العاص قال: "قلتُ: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثاً واتفل عن يسارك؛ ففعلت ذلك فأذهبه الله عني
8. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تشددوا على أنفسكم، فيشدِّد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديورات: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم".
9. وقال أبوالوفاء بن عقيل رحمه الله: أجل محصول عند العقلاء الوقت، وأقل متعبد به الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من الماء، وقال في المني: أمطه عنك بإذخرة، وقال في الحذاء طهوره بأن يدلك بالأرض، وفي ذيل المرأة يطهره ما بعده، وقال: يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام، وكان يحمل بنت أبي العاص بن الربيع في الصلاة، ونهى الراعي عن إعلام السائل له عن الماء وما يرده، وقال: ما أبقته لنا طهور، وقال: يا صاحب الماء لا تخبره.
10. قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إني لأستنجي من كوز الحُب وأتوضأ، وأفضل منه لأهلي.
11. وقال أحمد رحمه الله: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء.
12. وقال المروزي: وضأت أبا عبدالله بالعسكر، فسترته من الناس، لئلا يقولوا: إنه لا يحسن الوضوء، وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يَبُلُّ الثرى.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن كيده الذي بلغ به من الجهل ما بلغ، الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند عقد النية، حتى ألقاهم في الآصار والأغلال، وأخرجهم من اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد، والتعب الحاضر، وبطلان الأجر أوتنقيصه، ولا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس، فأهله قد أطاعوه ولبوا دعوته، واتبعوا أمره، ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته، حتى إن أحدهم يرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أواغتسل كاغتساله لم يطهر ولم يرتفع حدثه، ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه، وصحَّ أنه توضأ مرة مرة، ولم يزد على ثلاث، بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم، فالموسوس مسيء متعدٍ ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعدٍ فيه لحدوده؟
إلى أن قال:
فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته جواز الاغتسال من الحياض والآنية، وإن كانت ناقصة غير فائضة، ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده ولم يمكن أحداً أن يشاركه في استعماله فهو مبتدع مخالف للشريعة.
قال شيخنا – ابن تيمية -: ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع.
ودلت هذه السن الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يكثرون صب الماء، ومضى على هذا التابعون لهم بإحسان).
13. وقال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه – يعني الوضوء – وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
14. وقال ابن عمر: "إسباغ الوضوء الإنقاء".
15. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله عز وجل فاقشعرَّ جلده من خشية الله إلا تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها، وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل ولا سنة، فاحرصوا إذا كانت أعمالكم اقتصاداً أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم".
ثالثاً: في تزيين المعاصي
من مداخل الشيطان إلى بعض العباد الوسوسة بالذنوب والآثام وتزيينها لهم وتحسينها في قلوبهم، فلا ينفكون عن ذلك حتى يواقعوها.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (فإن قوله: "من شر الوسواس" يعم كل شره ووصفه بأعظم صفاته، وأشدها هجراً، وأقواها تأثيراً، وأعمها فساداً، وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوة، ويزينها له ويحسنها ويخيلها له في خيال تميل نفسه إليه، فيصير إرادة، ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمني ويشهي، وينسي علمه بضررها، ويطوي عنه سوء عاقبتها، فيحول بينه وبين مطالعته، فلا يرى إلا صورة المعصية والتذاذه بها فقط، وينسى ما وراء ذلك، فتصير الإرادة عزيمة جازمة، فيشتد الحرص عليها من القلب، فيبعث الجنود في الطلب، فيبعث الشيطان معهم مدداً لهم وعوناً، فإن فتروا حركهم، وإن ونوا أزعجهم، كما قال الله تعالى: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً"، أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً، كلما فتروا وونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم، فلا تزال بالعبد تقوده إلى الذنب، وتنظم شمل الاجتماع بألطف حيلة وأتم مكيدة، قد رضي لنفسه بالقيادة لفجرة بني آدم، وهو الذي استكبر وأبى أن يسجد لأبيهم، فلم تمنعه النخوة والكبر أن يصير قواداً لكل من عصى الله، كما قال بعضهم:
عجبتُ من إبليس في تيهه وقبح ما أظهر من نخوته
تـاه على آدم في سجـده وصـار قـواداً لذريـته
فأصل كل معصية وبلاء إنما هو المعصية).
رابعاً: النسيان
ومن وسائل وسوسة الشيطان للإنسان أن ينسيه ما يريد تذكره ويحرص عليه، قال تعالى على لسان غلام موسى: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره"، ولهذا يضاف النسيان إليه.
خطورة الوسوسة ومضارها
للوسوسة مضار كثيرة ومفاسد عظيمة على الموسوس في سلوكه وعبادته، نشير إلى أخطرها، وهي:
1. طاعة الشيطان.
2. ضياع الوقت وهو أثمن ما يملكه الإنسان.
3. التقصير في العبادة.
4. مخالفة السنة.
5. من الوسوسة ما يفسد العبادة كالصلاة.
6. الإسراف في الماء وهو من أجل النعم وأعظمها.
7. إغراء الناس بذمه والوقيعة فيه.
8. الموسوس يشغل ذمته بالزائد عن الحاجة، ويقصر عما أوجبه الله ورسوله عليه.
قال العلامة ابن القيم: (ومن أصناف الوسوسة ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات: آت آت، التحي التحي، وفي السلام: أسْ أسْ، وقوله في التكبير: أكككبر، ونحو ذلك، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إماماً فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التي هي أكبر الطاعات أعظم إبعاداً له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وما كان عليه أصحابه، وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له.. وتغرير الجاهل الاقتداء به.. كما قال أبوحامد الغزالي وغيره: الوسوسة سببها إما جهل بالشرع، وإما خَبَل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب).
علاج الوسوسة
ما من داء إلا وله دواء لمن يسره الله له، فالوسوسة من الأدواء المعضلة، والأمراض القبيحة، فينبغي للمصاب بها أن يسارع بعلاج نفسه، وأن لا يسترسل معها فيضيع عمره، ويشغل وقته فيما لا طائل وراء.
وعلاج الوسوسة والتخلص منها هو مقصودنا من كتابة هذا البحث.
أولاً: فيما يتعلق بالتفكر في ذات الله وصفاته، وتزيين المعصية
1. استصحاب قوله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله".
2. استشعار عظمة الله وجلاله والاجتهاد في شغل القلب بذلك.
3. التذكر بأن عقولنا البشرية مهما كانت لا يمكنها قط إدراك حقيقة وكيفية صفات الله عز وجل، وإذا كان الإنسان لا يدرك كنه نفسه فكيف بالذات العلية؟
4. تذكر ما آل إليه أئمة علم الكلام من الندم والرجوع صاغرين إلى منهج أهل السنة، وهو التسليم المطلق وتمنيهم إيماناً كإيمان العجائز.
5. الإكثار من التعوذ خاصة من الشك والريب.
قال تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم".
وقال: "من شر الوسواس الخناس".
قال القرطبي في تفسير قوله: "فاستعذ بالله": (أي اطلب النجاة من ذلك بالله، فأمر تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه، والاستعاذة به، ولله المثل الأعلى، فلا يُستعاذ من الكلاب إلا برب الكلاب، وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده؛ قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده؛ قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده؛ قال: هذا يطول، أرأيتَ لو مررتَ بغنم فنبحك كلبها ومنع من العبور، ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي؛ قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك).
وصحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه كما خرجه مسلم في صحيحه وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدَكم فيقول له: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته".
وفي رواية في الصحيح عنه رضي الله عنه: "ذلك صريح الإيمان".
وعن ابن مسعود عند مسلم قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: "تلك محض الإيمان".
فيما يتعلق بالعبادات، نحو الطهارة، والصلاة، والتشاغل فيها
من أسباب العلاج لوساوس الشيطان المتعلقة بالطهارة والصلاة والتشاغل عنها بجانب ما سبق ما يأتي:
1. استصحاب القاعدة الفقهية العظيمة: "اليقين لا يزال بالشك"، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
دليل ذلك ما صحَّ عن أبي هريرة عند مسلم قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدُكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً".
فمن كان متيقناً أنه توضأ، ثم شك هل أحدث أم لا؟ لم يلتفت إلى هذا الشك، وبنى على ما هو متيقن منه.
لو استصحب الموسوسون هذه القاعدة وعملوا بها لتخلصوا من وساوسهم، ولأراحوا أنفسهم وأرغموا شياطينهم.
2. عدم البول في المستحم، والمراد الماء الراكض، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "لا يبولن أحدُكم في مستحمه ثم يغتسل فيه - قال أحمد: ثم يتوضأ فيه – فإن عامة الوسواس منه".
3. مستنكح الشك لا يبني على شكه شيئاً، وليس عليه سجود سهو، وإنما عليه أن يلهو عن ذلك ويتشاغل عنه وإلا ازداد شكاً على شك، ووجد الشيطان فيه ضالته.
4. تذكر أن الحق هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي جاء بالحنيفية السمحة، وما سواه هو الباطل.
5. الاقتداء والتأسي بمسلك السلف الصالح في هذا الجانب، حيث كانوا يتشددون ويحذرون مما يدخل في بطونهم، وما كانوا يغالون في مسائل الطهارة، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً• روى أبو داود في سننه عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: "قلت يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا تطهرنا؟ قال: أوليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى؛ قال: فهذه بهذه".
• وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنا لا نتوضأ من موطِئ"، أي موطوء، يعني إذا وطئ على المكان القذر الجاف لا يجب عليه غسل القدم.
• وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الرجل يطأ العذرة؟ قال: "إن كانت يابسة فليس بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه".
• وقال حفص: "أقبلتُ مع عبد الله بن عمر عامدين إلى المسجد، فلما انتهيتُ عدلتُ إلى المطهرة لأغسل قدمي من شيء أصابهما، فقال عبد الله: لا تفعل، فإنك تطأ الموطئ الرديء، ثم تطأ بعده الموطئ الطيب – أوقال: النظيف – فيكون ذلك طهوراً؛ فدخلنا المسجد فصلينا جميعاً".
• وقال أبو الشعثاء: "كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث والدماء اليابسة حافياً، ثم يدخل المسجد فيصلي فيه، ولا يغسل قدميه".
• وقال عمران بن حدير: "كنت أمشي مع أبي مِجْلز إلى الجمعة، وفي الطريق عذرات يابسة، فجعل يتخطاها ويقول: ما هذه إلا سودات، ثم جاء حافياً إلى المسجد فصلى، ولم يغسل قدميه".
• وقال عاصم الأحول: "أتينا أبا العالية فدعونا بوضوء، فقال: مالكم، ألستم متوضئين؟ قلنا: بلى، ولكن هذه الأقذار التي مررنا بها؛ قال: وهل وطئتم على شيء رطب تعلق بأرجلكم؟ قلنا: لا؛ فقال: فكيف بأشد من هذه الأقذار يجف، فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم؟".
6. الحرص على صلاة الجماعة والاقتداء بالعقلاء، رأيتُ موسوساً إذا فاتته صلاة الصبح في جماعة لم يصلها إلى شروق الشمس، وإذا فاتته صلاة العصر لم يتمكن من أدائها وحده إلى الغروب.
أمور يسَّر فيها الشارع الحكيم، شدَّد فيها الموسوسون والمتنطعون
هذه الشريعة مبناها على اليسر، ورفع الحرج، وعدم التكليف بما لا يطاق، هذه النعم العظيمة حرمها كثيرمن الناس بسبب تشددهم وتنطعهم وطاعتهم للشيطان، من ذلك:
1 . نضح الفرج والسراويل بالماء دفعاً للوسوسة
قال العلامة ابن القيم: (قال الشيخ أبو محمد: ويستحب للإنسان أن ينضج فَرْجَه وسراويله بالماء إذا بال، ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللاً قال: هذا من الماء الذي نضحته، لما روى أبو داود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي أوالحكم بن سفيان قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ وينضح"، وفي رواية: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه"، وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله.
وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء، فأمره أن ينضح فرجه إذا بال، قال: ولا تجعل ذلك من همتك، والهُ عنه.
وسئل الحسن أوغيره عن مثل هذا فقال: الهُ عنه؛ فأعاد عليه المسألة، فقال: أتستدره لا أب لك! الهُ عنه).
لكن الموسوسين استعاضوا عن هذه السنة بأمور ما أنزل الله بها من سلطان هي: السَّلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والدرجة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وذلك كله وسواس وبدعة، فراجعته – المراجع له ابن القيم – في السلت والنتر، فلم يره، وقال: لم يصح الحديث، قال: والبول كاللبن في الضرع، إن تركته قرَّ، وإن حلبته درَّ.
قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه.
قال: ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد قال اليهودي لسلمان: "لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِرأة؛ فقال: أجل"
2. لا يعيد الوضوء من مشى حافياً
فقد مر أن كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم كانوا يتوضأون ويمشون حفاة إلى المسجد، ومن الضروري أن تطأ أقدامهم بعض النجاسات الجافة، ثم لا يغسلون أقدامهم.
3 . الخف والنعال إذا أصابتهما نجاسة تزال بالدلك
لما رواه أبوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئ أحدُكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور"، وفي لفظ: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لِمَ خلعتم؟ قالوا: يا رسول الله، رأيناك خلعتَ فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خُبْثاً، فإذا جاء أحدُكم المسجد فليقلب نعليه، ثم لينظر فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض، ثم ليصلي فيهما".
وكذلك ذيل المرأة يطهره ما بعده، لما صح أن امرأة قالت لأم سلمة: "إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؛ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده".
4 0الصلاة في النعال
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة في النعال مخالفة لليهود.
فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم".
قال ابن القيم: (ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين الصلاة في النعال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعلاً منه وأمراً، فروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي في نعليه" وقيل لأحمد: أيصلي الرجل في نعليه؟ فقال: "إي والله".
وترى أهل الوسواس إذا بلي أحدهم بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر، حتى لا يصلي فيهما).
5. الصلاة فيما تيسر سوى المغبرة وأعطان الإبل
قال صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فليصلِّ".
قال ابن القيم: (وكان يصلي في مرابض الغنم، وأمر بذلك، ولم يشترط حائلاً.
قال ابن المنذر: أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي، فإنه قال: أكره ذلك، إلا إذا كان سليماً من أبعارها.
إلى أن قال:
فأين هذا الهدي من فعل مَنْ لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير، ويضع عليها المنديل، ولا يمشي على الحصير ولا على البساط، بل يمشي عليها نقراً كالعصفور؟ فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود: "لأنتم أهدى من أصحاب محمد، أوأنتم على شعبة من ضلالة".
وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد اسودَّ من طول ما لبس، فنضح له بالماء وصلى عليه، ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل، وكان يسجد على التراب تارة، وعلى الحصى تارة، وفي الطين تارة، حتى يُرى أثره على جبهته وأنفه، وقال ابن عمر: كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد، ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك).
شبه الموسوسين ودحضها
يرفع الموسوسون بعض الشبه تبريراً لصنيعهم المنكر هذا، منها:
1. إنما حملنا على ذلك الاحتياط لديننا، مستدلين ببعض النصوص: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، "الإثم ما حاك في الصدر"، ونحو ذلك.
وليس في ذلك أدنى حجة لهم، لأن صنيعهم هذا مخالف لقائل ذلك صلى الله عليه وسلم ولصحبه أعلم الخلق بتأويل ما يقول.
فالاحتياط المطلوب هو ما يكون موافقاً للسنة، لا ما يكون مخالفاً لها، وقائماً على أنقاضها.
قال ابن تيمية: (والاحتياط حسن، ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة، فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط).
2. وبما كان يفعله أبوهريرة، حيث كان إذا توضأ شرع في العَضَد، وإذا غسل رجليه أشرع في الساقين، وبأن ابن عمر كان يغسل داخل عينيه في الطهارة، ونحو ذلك.
وفعل الصحابي إذا خالفه غيره فليس بحجة، فكيف إذا خالف السنة، وعمل الخلفاء الراشدين؟ فلا حجة لأحد في مخالفة السنة كائناً من كان.
بل كان ابن عمر ينهى عن الاقتداء به في ذلك، قائلاً: "إن بي وسواساً فلا تقتدوا بي".
وكذلك كان ينبه على ذلك سفيان الثوري رحمه الله.
3. دعواهم أن التشدد خير من التقصير والتفريط، ونقول: كل من الإفراط والتفريط مذموم، إذ الحسنة بين سيئتين، ودين الله بين الغالي والجافي.
قال تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"صدق الله العظيم، وقال: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"صدق الله العظيم
عقوبة المتنطعين
عقوبة الموسوسين الزجر والتأديب بما يناسب جرمهم، حتى ينتهوا عن تلاعبهم بهذا الدين، وابتداعهم فيه ما لم ينزل به سلطاناً بالقول والفعل.
فقد صح عنه أنه قال: "ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون".
وقال ابن مسعود: "والله الذي لا إله غيره، مارأيتُ أحداً كان أشد على المتنطعين من رسول الله، ولا رأيتُ بعده أحداً كان أشد على المتنطعين من أبي بكر، وإني لأظن عمر رضي الله عنه كان أشد أهل الأرض خوفاً عليهم".
وكان عليه السلام يبغض المتعمقين، حتى أنه لما واصل بهم ورأى الهلال قال: "لو تأخر الهلال لواصلتُ وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم"، كالمنكل بهم.
من نوادر الموسوسين
قال ابن القيم: (ثم إن طائفة من الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته، وقبلوا قوله، وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام، أوصلى كصلاته، فوضوؤه باطل، وصلاته غير صحيحة، ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في مواكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين، أنه قد صار نجساً، يجب عليه تسبيع يده وفمه، كما لو ولغ فيهما كلب أوبال عليهما هر.
ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون، ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات، والأمور المحسوسات، وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات، وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلاً يشاهده ببصره، ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه، ويعلمه بقلبه، بل يعلمه غيره منه ويتيقنه، ثم يشك: هل فعل ذلك أم لا؟ وكذلك يشككه الشيطان في نيته وقصده التي يعلمها من نفسه يقيناً، بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله، ومع هذا يقبل قول إبليس في أنه ما نوى الصلاة ولا أرادها، مكابرة منه لعيانه، وجحداً ليقين نفسه، حتى تراه متلدداً متحيراً، كأنه يعالج شيئاً يجتذبه، أويجد شيئاً في باطنه يستخرجه، كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس، وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته.
ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه، ويطيعه في الإضرار بجسده، تارة بالغوص في الماء البارد، وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك، وربما فتح عينيه في الماء البارد، وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلى كشف عورته للناس، وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه.
• قلت: ذكر أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلاً قال له: أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشكُّ، هل صحَّ لي الغسل أم لا، فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب، فقط سقطت عنك الصلاة؛ قال: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ"، ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا، فهو مجنون.
قال: وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت، ويشغله بوسوسته في النية حتى تفوته التكبيرة الأولى، وربما فوت عليه ركعة أوأكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا، ثم يكذب.
• قلت: وحكى لي من أثق به عن موسوس عظيم رأيته يكرر عقد النية مراراً عديدة فيشق على المأمومين مشقة كبيرة، فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة، فلم يدعه إبليس حتى زاد، ففرق بينه وبين امرأته، فأصابه لذلك غم شديد، وأقاما متفرقين دهراً طويلاً، حتى تزوجت تلك المرأة برجل آخر، وجاءه منها ولد، ثم إنه حنث في يمين حلفها ففرق بينهما، وردت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها.
• وبلغني عن آخر أنه كان شديد التنطع في التلفظ بالنية والتقعر في ذلك، فاشتد به التنطع والتقعر يوماً إلى أن قال: أصلي، أصلي، مراراً، صلاة كذا وكذا، وأراد أن يقول: أداء، فأعجم الدال، وقال: أذاء لله؛ فقطع الصلاة رجل إلى جانبه وقال: ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين.
• قال: ومنهم من يتوسوس في إخراج الحرف حتى يكرره مراراً.
قال: فرأيت منهم من يقول: الله أكككبر؛ قال: وقال لي إنسان منهم: قد عجزت عن قول: "السلام عليكم"، فقلت له: قل مثل ما قد قلت الآن، وقد استرحت.
وقد بلغ الشيطان أن عذبهم في الدنيا قبل الآخرة، وأخرجهم عن اتباع الرسول، وأدخلهم في جملة أهل التنطع والغلو، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).
م,ن
اتمنى من الله العلى الاعلى ان يجنبنا شر هذا المرض اللعين وان يحفظنا جميعا وان يهدينا الى ما يحب ويرضى
واتمنى من الله ان يكون الموضوع نال اعجابكم
لكم منى افضل التحية
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);